recent
أخبار ساخنة

هالة المجرات: الغلاف الخفي لبنية المجرات-علم الفلك

ملحوظة: الهالة هي قوة غير مرئية فلا يمكن رئيتها في الواقع لذا اي صورة في المقالة هي صورة تخيلية ليست حقيقية وشكراً.


مقدمة


عندما تنظر إلى مجرة في السماء، تكتفي العين برؤية قرص مضيء يضم النجوم والغازات والغبار، ولكن الحقيقة أن المجرة تمتد إلى ما وراء هذا القرص، في منطقة هادئة تقريبًا تُعرف بـ هالة المجرة، لهذه الهالة تحتوي على مواد لا تُرى بسهولة — لكنها تلعب دورًا أساسيًا في تشكّل المجرات، واستقرارها، وتطورها عبر الزمن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صورة تخيلية للهالة (الضوء حول المجرة)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في هذه المقالة، سنغوص في تفاصيل الهالات المجرية من حيث، مكوناتها، تكوينها، خصائصها، دورها في الكون، وكيف نكتشفها.


مكونات هالة المجرة


يمكن تقسيم هالة المجرة إلى أربعة مكونات رئيسية، لكل منها خصائصه ودوره:

1. الهالة المظلمة (Dark Matter Halo):

تُشكّل الجزء الأكبر من كتلة الهالة، وتتكون من مادة لا تتفاعل إلا عن طريق الجاذبية فقط، فهذه المادة غير المرئية تُعدّ البنية الأساسية التي تُحيط بالمجرة بأكملها ويُستدل على وجودها من خلال دوران النجوم في أطراف المجرات؛ إذ تبقى سرعتها ثابتة تقريبًا بدل أن تنخفض كما يُتوقع لو لم تكن هناك كتلة مخفية.

2. الهالة النجمية (Stellar Halo):

تتكوّن من نجوم قليلة الكثافة وقديمة، موزعة في جميع الاتجاهات حول المجرة. يعتقد أن كثيرًا من هذه النجوم جاءت من مجرات صغيرة اندمجت مع المجرة الأم عبر الزمن.

3.العناقيد الكروية (Globular Clusters):

هي مجموعات ضخمة وكثيفة من النجوم تُعد من أقدم مكونات المجرة تدور هذه العناقيد ضمن الهالة وتُستخدم لدراسة تاريخ المجرة وتطورها، لأنها تحفظ آثار المراحل الأولى من تشكلها.

4. الغاز المؤين الساخن (Gaseous Halo /Circumgalactic Medium - CGM):

يتألف من غاز شديد السخونة في حالة بلازما مؤينة، يمتد إلى مسافات بعيدة خارج القرص المجرّي يُكتشف عادة عبر الأشعة السينية، ويعمل كمخزون يغذي المجرة بالغاز اللازم لتكوين نجوم جديدة في المستقبل.

مراحل تكوين الهالة

1. البنية البدائية في الكون

بعد الانفجار العظيم، كان الكون شبه متجانس مع تقلبات صغيرة في الكثافة، فهذه التفاوتات كانت البذور لتكوّن الهالات.

2. انهيار الجاذبية (Spherical Collapse Model)

المناطق ذات الكثافة الأعلى تبدأ بالانهيار الجذبي، فتتجمع المادة حولها مكونة هالات مظلمة أولية.

3. تكوين المجرة داخل الهالة

داخل هذه الهالة المظلمة تتجمع الغازات لتكوين النجوم والقرص المجرّي، بينما تبقى المادة المظلمة موزعة خارجيًا.

4. الاندماج والامتصاص


المجرات الصغيرة تُبتلع داخل مجرات أكبر، وتُضاف نجومها وغازها للهالة المجريّة — ما يفسر أصل النجوم القديمة في الهالة.

5. النمو المستمر

تستمر الهالة في النمو عبر استقطاب المادة من محيطها وابتلاع المجرات القزمية الصغيرة، مما يزيد كتلتها ويغير توزيعها عبر الزمن.


 خصائص الهالات المجرية


•الشكل والتوزيع الهندسي


الهالات ليست مثالية كروية دائمًا؛ غالبًا ما تكون شبه كروية أو إهليلجية.
الكثافة تتناقص تدريجيًا مع البعد عن المركز، وغالبًا تُوصف بمعادلة (NFW Profile).
الأبحاث الحديثة تشير إلى أن الهالة المظلمة قد تتأثر بذراع المجرة النجمية، فتتشكل فيها "أذرع مظلمة" ولكن لا يوجد معلومات دقيقة عنها. 

•الكتلة والانتشار


كتلة الهالة المظلمة المتواجدة حول مجرتنا تفوق بكثير كتلة النجوم والغبار في المجرة لذا، في درب التبانة، تُقدّر معظم الكتلة بأنها مظلمة، وهو ما يفسر بقاء سرعة النجوم عالية عند الأطراف.

•الديناميكا والحركة


النجوم القريبة من الطرف المجرة تسير بشكل عشوائي عن النجوم القريبة من القرص أو المركز وهذا يرجع إلى عدة أسباب أهمهم:

1. أصل الهالة مختلف عن القرص

نجوم القرص المجرّي (مثل قرص درب التبانة) وُلدت من غاز يدور بانتظام حول المركز، لذلك اكتسبت سرعة دوران منتظمة في نفس الاتجاه.
أما نجوم الهالة، فمعظمها نشأ من مجرات صغيرة اندمجت أو تمزقت خلال مراحل مبكرة من حياة المجرة، ودخلت الهالة من زوايا واتجاهات مختلفة، مما جعل حركتها غير منتظمة أو “عشوائية”.


 2. غياب البنية المسطّحة في الهالة

الهالة ليست قرصًا، بل غلاف كروي واسع يحيط بالمجرة. في بيئة كهذه، لا توجد قوة توجيهية تحفظ دورانًا موحّدًا مثل القرص، لذا تتحرك النجوم في مدارات مائلة ومتقاطعة بكل الاتجاهات تقريبًا.


 3. تأثير الاندماجات الجاذبية القديمة

في المراحل الأولى من تطور المجرة، حدثت تصادمات واندماجات بين مجرات أولية. هذه الأحداث أدت إلى تشويش مدارات النجوم داخل الهالة، ففقدت انتظامها وأصبحت تتحرك بسرعات واتجاهات متعددة.


 كيف نكتشف هالة المجرة؟

1. انحناء الضوء (Gravitational Lensing)


عندما يمر ضوء مجرات خلفية عبر هالة أمامية، تنحني أشعته بفعل الجاذبية، فتظهر أقواس أو تشوهات تدل على وجود كتلة غير مرئية.

2. حركة النجوم في الأطراف


النجوم في أطراف المجرات تدور بسرعات عالية تفوق المتوقع من الكتلة المرئية فقط — ما يثبت وجود كتلة مظلمة ضخمة.

3. رصد الأشعة السينية (X-rays)


الغاز الساخن في الهالة يشع بالأشعة السينية، وتُرصده التلسكوبات الفضائية مثل Chandra وXMM-Newton، كاشفًا توزيع الغاز المؤين.

4. المسح النجمي والتحليل الطيفي


يُستخدم تحليل الضوء والسرعات الكيميائية للنجوم البعيدة لتحديد تركيب الهالة النجمية وفهم تاريخها التطوري.

دور هالة المجرة في الكون


الاستقرار الجاذبي: تعمل الهالة المظلمة كإطار يربط أجزاء المجرة ببعضها، مانعًا تفككها بفعل دورانها السريع.

الوقود الكوني: الهالة الغازية تمثل خزانًا للمادة التي يمكن أن تُغذي المجرة لتكوين أجيال جديدة من النجوم.

السجل التاريخي: النجوم القديمة والعناقيد الكروية في الهالة تحمل آثار المجرات التي اندمجت عبر الزمن، أي “ذاكرة المجرة”.

الخاتمة

تشكل هالة المجرة الغلاف الخفي الذي يحفظ توازنها ويكشف عن أسرار تطورها عبر الزمن فرغم خفائها عن أعيننا، فإنها تمثل البنية الأساسية التي تربط النجوم والغازات وتوجه مصير المجرة، لتبقى شاهدًا على تاريخ الكون منذ لحظاته الأولى.
google-playkhamsatmostaqltradent